Friday 13 February 2009

قــصــــة مــكــــة....الجزء الثالث

الأمـــــــــــر بـــالــتــبــلــيـــــغ





ومن حكمة الله أن الوحي انقطع بعد ذلك أيامًا عن رسول الله

وذلك -كما يقول ابن حجر- ليَذْهَبَ ما كان وَجَدَهُ من الرَّوْع، وليحصل له التشوُّق إلى العودة،

فلما تقلَّصت ظلال الحَيْرَةِ، وثَبَتَتْ أعلام الحقيقة، وعرف معرفة اليقين أنه أضحى نبيًّا للَّه الكبير المتعال، وأنَّ ما جاءه سفيرُ الوحي ينقُلُ إليه خبر السماء، كما أنبأه ورقة بن نوفل، وصار تشوُّفه وارتقابه لمجيء الوحي سببًا في ثباته واحتماله عندما يعود،

جاءه جبريل للمرة الثانية، وفي ذلك قال "بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي - أي غطوني-. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1- 5].

فتغيَّرت حالة النبي من الشكِّ والارتياب وعدم التأكد من أمر النبوَّة إلى حالة من العزيمة والقوَّة والإصرار والنشاط، وهي بداءة الرحلة الطويلة الشاقَّة، رحلة التوحيد والدعوة إلى الله .

وكان هذا هو الأمر الواضح بالرسالة وبالتبليغ وبالإنذار.
ومن هنا كانت مرحلة الإعداد، أُولى المراحل في بناء الأُمَّة، وقد ظلَّت حتى غزوة بدر الكبرى،

أي ما يقرب من خمسة عشر عامًا من عمر الدعوة، وكانت معظمها في مكة المكرمة،
وقد بدأ فيها الرسول في انتقاء الأفراد الصالحين لحمل هذه الأمانة الثقيلة، ونجح في تربيتهم وإعدادهم لهذه المهمة الضخمة، مهمة حمل الدين، ليس إلى أهل مكة أو إلى العرب فقط، بل إلى العالم أجمع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الــــدعــــوة ســــــــــــــرا




أطلال دار الأرقم بن أبي الأرقم في مكة





رسم تقريبي لدار الأرقم بن أبي الرقم


اتَّخذ رسول الله منهجًا دعويًّا مهمًّا في بداءة هذه المرحلة؛

فبدأ بأقرب الناس إليه وألصق الناس إليه،

فدعا زوجته خديجة رضي الله عنها،

ثم صديقه الصِّدِّيق أبي بكر

ثم خادمه ومولاه زيد بن حارثة

ثم ابن عمه علي بن أبي طالب، الذي لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره،

ولكلِّ واحدٍ منهم قصَّة تُرْوَى وحديثٌ يُذْكَر.
وقد كان من الحكمة أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرِّيَّة؛

وذلك لئلاَّ يُفَاجَأ أهلُ مكة بما هو جديد وغريب على معتقداتهم،

وأيضًا حتى لا يُقضى على الدعوة في مهدها

وهو ما حدث في منهج الدعوة طيلة السنوات الثلاث الأولى من بدئها.
هذا، وقد نشط أبو بكر الصديق للدعوة بإيجابيَّة شديدة منذ أول يوم أعلن فيه إسلامه،


حتى أسلم على يديه عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عُبَيْدِ اللَّه، وأبو عُبَيْدَةَ بن الجراح، وهم من العشرة المبشَّرين بالجنة،


كما أسلم على يديه أيضًا عثمان بن مظعون، والأرقم بن أبي الأرقم، وأبو سلمة، إضافة إلى أهل بيته، وكذلك غلامه عامر بن فهيرة، والعبد الحبشي بلالُ بنُ رباحٍ الذي اشتراه ثم أعتقه
وكان أهم ما يُمَيِّزُ هذه المرحلةَ السرِّيَّة الحذرُ الأمنيُّ الشديد،


وقد بدا ذلك واضحًا في قصَّة إسلام بعض الصحابة، مثل عمرو بن عَبَسَةَ السُّلَمِيّ، وأبي ذَرٍّ الغفاري،


وكان من مظاهر السرِّيَّة في ذلك الوقت أيضًا اجتماع الرسول والصحابة في دار الأرقم بن أبي الأرقم ثلاث عشرة سنة دون أن يُكْتَشَفَ أمرهم،


وقد اعتمد الرسول في تربية المسلمين في هذه المرحلة على بناء العقيدة الصحيحة، وتعميق القيم الأخلاقيَّة الأصيلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الــــجــهـــــــــــــر بــالـــدعـــــــــــــــوة

























بعد ثلاث سنوات كاملة من الدعوة السرِّيَّة وزيادة عدد المسلمين إلى نحو الستِّين

أَذِن الله لرسوله بالجهر بالدعوة، لتبدأ نَقْلَة جديدة في مرحلة الإعداد،

وفيها أُمر الرسول بأن يبدأ بأقربائه ثم بقيَّة الناس،

وهنا جمع الرسول أقربائه وبلغوا خمسة وأربعين رجلاً ليدعوهم،

إلا أن عمَّه أبا لهب ابتدره بقوله: "هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك، فتكلَّم ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة".

فسكت الرسول ولم يتكلم في هذا الجمع.
ثم جمعهم مرة ثانية وبادرهم بالحديث قائلاً:

"الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأُؤْمِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ"،

ثم قال:"إِنَّ الرَّائِدَ لاَ يَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى النَّاسِ عَامَّةً، وَاللَّهِ لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَلَتُحَاسَبُنَّ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَإِنَّهَا الْجَنَّةُ أَبَدًا أَوِ النَّارُ أَبَدًا".

وهنا أعلن عمُّه أبو طالب أنه سيقف بجانبه ناصرًا ومؤيِّدًا إلا أنه لن يترك دين عبد المطلب،

بينما كان موقف أبي لهب على العكس تمامًا حيث قال:

"هذه والله السوءَة، خذوا على يده قبل أن يأخذ غيركم"!
ثم نزل الأمر القرآني المباشر: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ} [الحجر: ، فكان ذلك إيذانًا بإعلان الدعوة للناس عامَّة، والإعراض عن المشركين،

بمعنى عدم قتالهم وتجنُّب الصدام معهم، فاستجاب رسول الله مباشرة،
وخرج ينادي قبائل قريش جميعًا من على جبل الصفا، ويقول له
"أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنْ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغْيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟" قالوا: نعم؛ ما جرَّبنا عليك إلا صدقًا. فقال : "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٌ شَدِيدٌ".
فقال أبو لهب:
تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟!
فنزل قوله تعالى : {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد
وعلى الرغم من يقين مشركي مكة من صدق رسول الله ومعرفتهم أن ما جاء به هو الحق إلا أنهم لم يؤمنوا،
وقد تعدَّدت الموانع في ذلك عندهم، ما بين مَن منعته التقاليد كأبي طالب،
ومَن منعه الجبن كأبي لهب، ومن منعته القبلية كأبي جهل، ومن منعه الكبر والعناد، ومن منعه خوفه على ضياع السيادة والحُكم في قومه، وغير ذلك، وهم لم يكتفوا بهذا، بل بدءوا يُخَطِّطون ويُدَبِّرون للكَيْد لرسول الله وللمسلمين،
وسلكوا في ذلك سبلاً شتَّى ووسائل متعدِّدة،

اتَّسمت المرحلة الأولى في ذلك بالسلم، ثم أخذت طابع المفاوضات،

وانتهت بالإيذاء والتنكيل بالمؤمنين ليردُّوهم عن دينهم،

والذي لم يَزد المسلمين إلا إصرارًا على الحقِّ، وصبرًا على الإيذاء،

وضربوا في تلك المحنة أروع الآيات في الصبر وَتَحَمُّلِ الأذى في سبيل الله .
وكان بلال بن رباح ممَّن تَلَظَّى بسلسلة مضنية من التعذيب على يد أُمَيَّة بن خلف،

وعلى نفس الدرب كان ياسر وزوجه سميَّة والدا عمار بن ياسر

فقد وقعا تحت يدي رأس الكفر أبي جهل لعنه الله، فعذبهما تعذيبًا شديدًا
حتى قُتِلا في بيت الله الحرام جَرَّاءَ التعذيب والتنكيل،
ومثلهم كان خَبَّابُ بن الأَرَتِّ وكان المشركون يَجُرُّونَه من شعره ليضعوه على الفحم الأحمر الملتهب، ثم يضعون الصخرة العظيمة على صدره حتى لا يستطيع أن يقوم، وكذلك السيدة زِنِّيرَة والنَّهْدِيَّة وابنتها وأم عُبَيْسٍ رضي الله عنهن
،
حتى تحوَّلت مكة إلى سجن كبير تُهان فيه الإنسانيَّة، ويرتع فيه وحوش الكفر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الــــهـــجـــــــرة إلــى الــحــبــــشـــــــــة










رســالــة الــرســـول صـلــى الـلـه عــلــيــه وســلــم إلــى
الــنــجــاشــي مــلــك الــحــبـــشة

لما اشتدَّ الإيذاء والعذاب بالمسلمين جاءت الخطوة التكتيكيَّة من رسول الله

في محاولة منه للأخذ بأسباب الحفاظ على الدعوة الإسلاميَّة التي غدت مهدَّدة من قريش،

وذلك أنه مأمور بالكفِّ والإعراض عن المشركين،

فلم يكن الحلُّ إلا أن تهاجر تلك الطائفة المؤمنة بدين الله إلى مكان آخر،

فكانت الهجرة الأولى إلى الحبشة؛
حيث قال رسول الله لأصحابه: "لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى الْحَبَشَةِ؛ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لاَ يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ"،

وقد أمر أربعة عشر مؤمنًا بالهجرة، وكان على رأسهم

عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله ، وجعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله
وكان ذلك في السنة الخامسة من البعثة.
وعلى الرغم من خروج المسلمين خفية وأخذهم للحيطة والحذر، إلاَّ أن قريشًا كشفت أمرهم وخرجت في أثرهم،

فلم يكن من المسلمين إلا أن ابتهلوا إلى الله الذي أنجاهم بسفينتين كانتا على الميناء،

فانطلقوا آمنين إلى أرض الحبشة وأقاموا فيها في أحسن جوار.
وفي نفس هذه السنة التي تمَّت فيها الهجرة الأولى للحبشة خرج النبي إلى الحرم،

وكان هناك جمعٌ كبيرٌ من قريش فيه سادتها وكبراؤها، فقام فيهم وأخذ يتلو سورة النجم بغتة،

فلما باغتهم بتلاوة هذه السورة، وقرع آذانهم بهذا الكلام الإلهي الخلاَّب، تفانَوْا عمَّا هم فيه، وبقي كلُّ واحد مصغيًا إليه، لا يخطِر بباله شيء سواه، حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم 62

وقد كانوا أشاعوا أنه قرأ آيات معيَّنة تُعَظِّم من شأن اللاَّت والعزَّى؛ ولذلك لمَّا جاءت آية السجود سجدوا تعظيمًا لآلهتهم!

ثم سجد لم يتمالك أحدٌ نفسه حتى خرَّ ساجدًا! وسُقِطَ في أيديهم، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين، وعند ذلك كذبوا على رسول اللَّه .
أما مهاجرو الحبشة، فإن هذا الخبر قد بلغهم في صورة أخرى، مفادها أن قريشًا أسلمت،


فرجعوا إلى مكة في نفس السنة التي هاجروا فيها،

ولما وصلوا قبل مكة وعرفوا حقيقة الأمر رجع منهم مَن رجع إلى الحبشة،

ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش.
على أن المشركين عادوا إلى سابق عهدهم من إيذاء المسلمين، وخاصَّة بعد ما حدث من سجودهم في الكعبة،

وما بلغهم من استقبال النجاشي الحافل للمهاجرين،

ذلك الأمر الذي رفع معنويَّات المؤمنين وأغاظ المشركين، فأخذ رسول الله قرار الهجرة مرَّة ثانية إلى أرض الحبشة، والتي كانت أشقَّ من سابقتها؛ إذ إن قريشًا تيقَّظت لها وقرَّرت إحباطها،

بَيْدَ أن المسلمين كانوا أسرع، ويسرَّ اللَّه لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يُدْرَكُوا،

وقد بلغ عددهم قرابة المائة من الرجال والنساء.
وقد عزَّ على قريش أن يجد المسلمون مأمنًا لهم في الحبشة، فأرسلت رجلين لَبِيبَيْنِ هما
عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى النجاشي لإقناعه بأن هؤلاء المسلمين أعداء له قبل أن يكونوا أعداءً لهم، وأرسلت معهما الهدايا الثمينة للنجاشي ولبطارقته، حتى يردوهم.
ولكنَّ النجاشي العادل لم يرضَ إلا بأن يسمع من الطرف الآخر أيضًا،


فأرسل إلى المسلمين فتكلَّم نيابة عنهم جعفر بن أبي طالب، فقال:

أيها الملك، كنَّا قومًا أهل جاهليَّة، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار،

ويأكل منا القويُّ الضعيف، فكُنَّا على ذلك، حتى بعث اللَّه إلينا رسولاً منَّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته
فدعانا إلى الله لنوحِّده ونعبده، ونخلع ما كنَّا نعبد - نحن وآباؤنا - من دونه من الحجارة والأوثان،

وأَمَرَنَا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفِّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأَمَرَنَا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - وبذلك عدَّد عليه أمور الإسلام – فصدَّقناه، وآمنا به، واتَّبعناه على ما جاءنا به من دين اللَّه، فعدا علينا قومنا، فعذَّبونا وفتنونا عن ديننا، فلمَّا قهرونا وظلمونا وضيَّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك،

واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نُظلم عندك أيها الملك.
ثم قرأ عليه جعفر صدرًا من سورة مريم فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته،


وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم،

ثم قال لهم النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة،
انطلقا، فلا والله لا أسلِّمهم إليكما ولا يكادون. فخرجا.
وهنا قال عمرو بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة: والله لآتينَّهم غدًا بما أستأصل به خضراءهم.
فلما كان الغد قال للنجاشي: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيمًا.

فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن ذلك، فقال له جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبيُّنَا

هو عبد الله ورسوله، وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.

فأخذ النجاشي عودًا من الأرض، ثم قال: واللَّه ما عدا عيسى ابن مريم ما قُلْتَ هذا العود.
ثم قال لحاشيته: ردُّوا عليهما هداياهما،

فلا حاجة لي بها، فواللَّه ما أخذ الله منِّي الرشوة حين ردَّ عليَّ مُلْكِي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه. قالت أم سلمة التي تروي هذه القصة: فخرجا من عنده مقبوحَيْنِ مَرْدُودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا نحن عنده بخير دار مع خير جار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الــــــدعــــــوة جـــــهــــــــــرا





بين هجرة الحبشة الأولى والهجرة الثانية حدث في مكة خطبٌ جلل غَيَّرَ الكثير في مسيرة الدعوة الإسلاميَّة،


وقد تمثَّل في

إسلام حمزة بن عبد المطَّلب عمِّ رسول الله الذي كان أكثر الناس عزَّة ومنعة، وأقواهم بأسًا وشكيمة، ليصبح بعد ذلك أسد الله
.
ثم إسلام عمر بن الخطاب بعده بثلاثة أيَّام فقط، والذي لقَّبه الرسول بالفاروق؛

إذ فرَّق الله به بين الحقِّ والباطل، وبين مرحلتين من تاريخ الأُمَّة الإسلاميَّة،

فمنذ اللحظة الأولى لإسلامه لم يستطع عمر أن يكتم إيمانه، فتوجَّه لرسول الله وسأله: ألسنا على الحقِّ؟

قال له رسول الله : نعم. قال: ففيم الاختفاء؟ فوافقه رسول الله على الإعلان،

ومِن بعدها سيبدأ ظهور الإسلام والمسلمين في مكة، وستؤدَّى الشعائرُ أمام أهل مكة في وضح النهار،

وبهذا يكون عمر هو الذي اخْتُصَّ بدعوة الرسول "اللَّهُمَّ أَيِّدِ الإِسْلامَ بإحدى العمرين

بِأَبِي الْحَكَمِ عمرو بْنِ هِشَامٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ"

هذا، وبعد إسلام هذين البطلين الجليلين ظهر الإسلام في مكة، وأعلن كثيرٌ من المسلمين إسلامهم،

ولم يجد المشركون بُدًّا من استعمال طريقة أخرى بدلاً من التعذيب، فكانت مساومة النبي ليكفُّوه عن دعوته؛
فقام أحد كبرائهم - وهو عتبة بن ربيعة - إلى رسول الله فعرض عليه المال والسيادة والمُلْكِ على قريش والعرب كلها، أو أن يحضروا له أمهر الأطباء لمعالجته إن كان ما يقوله بسبب مرض أو مسٍّ من الجنِّ

إلاَّ إن رسول الله أجابه بكلام الله حيث قرأ آياتٍ من سورة فصلت، أُخِذَ بها عتبة وَبَهَرَتْهُ كلَّ الإبهار،

فقام من فوره إلى قومه وعيناه زائغتان، حتى دخل على زعماء قريش،

ولم يكن الأمر يحتاج إلى كثير ذكاء حتى يعرف الجميع ما حدث،

حتى لقد قال بعضهم: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به،

وحين جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ وبلسان عجيب وفي غاية الصدق، بدأ أبو الوليد عتبة يحكي تجرِبته
ويقول: لقد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قطُّ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة،


يا معشر قريش: أطيعوني واجعلوها بي، وخلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه،

فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم،


فإن تُصِبْه العرب فقد كُفِيتُموه بغيركم،


وإن يَظهر على العرب فمُلْكُه مُلْكُكُم وعزُّه عزُّكم، وكنتم أسعد الناس به.


وفي ذهول تامٍّ ردُّوا عليه، وقالوا: سَحَرَك والله يا أبا الوليد بلسانه.


فأجابهم: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يــتـــبــــع مــــا قــبــله ومـــا بــعـــده بــإذن الــلــه

No comments:

Post a Comment